فجأة تناقلت وسائل الإعلام اسم “جرجوب”، وهي تلك المنطقة الواقعة شمال مرسى مطروح، وتبعد عن الحدود الليبية مسافة 160 كم، وذلك بعدما أنشأت فيها مصر أحدث قاعدة بحرية في المنطقة، “قاعدة 3 يوليو العسكرية”، لتكون أساس تمركز الأسطول البحري الشمالي المصري في البحر المتوسط.
تم إنشاء تلك القاعدة طبقاً للكود العالمي، بمعنى مطابقتها لأحدث المواصفات العالمية في الإنشاء والتصميم والإمكانات، المعمول بها في العلم البحري العسكري الحديث، وخصصت القاعدة، بالأساس، لتأمين مصر في الاتجاهين الاستراتيجيين الشمالي والغربي؛
ويقصد بهما اتجاه البحر المتوسط، واتجاه ليبيا، حيث تهدف إلى تأمين المقدرات الاقتصادية، الممثلة في حقول الغاز الطبيعي المصرية في شرق المتوسط، فضلاً عن تأمين خطوط النقل البحرية، ومنع الهجرات الغير شرعية لجنوب أوروبا.
تمتد القاعدة الجديدة على ساحل البحر المتوسط لمساحة تزيد عن 10 ملايين متر مربع، وتتميز بعبقرية موقعها الجغرافي، الذي يحقق تنفيذ كافة مطالب الوحدات البحرية، سواء أعماق المياه، والتيارات البحرية.
تشمل القاعدة الحديثة 74 منشأة عسكرية، ومهبطاً للطائرات، ملحق به صالة استقبال لكبار الزوار. كما تحوي عدداً من ميادين التدريب على القتال، ومركزاً للعمليات، مجهز بأعلى مستويات المعدات القتالية، وأحدث المنظومات العلمية العسكرية.
تضم القاعدة رصيفاً بحرياً حربياً، بطول 1000 متر وعمق 13 متر، بما يسمح باستقبال كافة القطع البحرية، من شتى أنحاء العالم، باختلاف مستوياتها، كما تشمل أرصفة تجارية بطول 2200 متر وعمق 17 متر، وبرجاً لمراقبة الميناء بارتفاع 29 متر، وحاجزاً للأمواج بطول 3650، لمنع عمليات النحر أو الإطماء في شاطئ القاعدة.
ولاستضافة التدريبات العسكرية، تم تجهيز القاعدة بعدد من العمارات السكنية، وخمس مبان للإعاشة، وفندق، وصالات للطعام، وقاعة مؤتمرات تسع 700 زائر، ومسرح مكشوف يسع 600 فرد، فضلاً عن مجمع للأنشطة الرياضية، يشمل صالة مغطاة، وصالتي سكواش، وصالة جيم، وحمام سباحة أوليمبي، يخدمهم جميعاً مبنى للخدمات، ووحدة طبية، ومسجداً، تحيطهم البوابات والأسوار المزودة بأحدث أجهزة المراقبة الأمنية.
يحسب لمصر نجاحها في إقامة 3 قواعد عسكرية جديدة، خلال الأربع سنوات الماضية؛ الأولى “قاعدة محمد نجيب” بغرب الإسكندرية، والثانية “قاعدة برنيس” على ساحل البحر الأحمر، المكلفة بتأمين خطوط الملاحة في البحر الأحمر، لتأمين قناة السويس، أهم مجرى ملاحي على مستوى العالم.
وفي يوم افتتاح “قاعدة 3 يوليو”، الذي حظي بتشريف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وضيوفه الكرام، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإمارتية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، وقع السيد الرئيس على وثيقة القاعدة الجديدة، ورفع عليها علم جمهورية مصر العربية، إيذانا بافتتاحها.
في ذلك اليوم انضم للخدمة، بالقوات البحرية المصرية، 47 قطعة بحرية جديدة، تضم فرقاطتين؛ أحدهما من طراز فريم برجا ميني، والأخرى مصرية الصنع، فرنسية المنشأ، من طراز جويند، تم تصنيعها بالترسانة البحرية في الإسكندرية،
بالإضافة إلى غواصة من طراز 209، و10 لنشات مرور ساحلية بعيدة المدى، وأربع لنشات مرور أخرى، و28 سرباً قتالياً مدرعاً للقوات الخاصة البحرية.
بعدها تابع السيد الرئيس، وضيوفه الكرام، المناورة “قادر 2021″، من على سطح حاملة الطائرات الميسترال، تلك المناورة التي اشتركت فيها كافة تشكيلات ووحدات القوات المسلحة، من القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي والصاعقة والمظلات، والتي تعتبر من أهم المناورات، وأكبرها حجماً، في تاريخ القوات المسلحة المصرية، إذ تم تنفيذها بالذخيرة الحية، وهو ما يدلل على أعلى مستويات الاستعداد القتالي الذي وصلت إليه قواتنا من خلال التدريب، كما أثبتت دقة التوقيتات وتشابك الأعمال القتالية، بين مختلف القوات، على كفاءة القوات المسلحة المصرية.
كان حضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لهذا الحدث الهام، أكبر دليل على متانة العلاقات والصداقة والتعاون السياسي والاستراتيجي بين مصر والإمارات المتحدة، وتأكيداً على وقوف دولة الإمارات مع مصر في كل الأوقات، خاصة في أزماتها بشأن الأمن المائي ومشكلة سد النهضة.
كما كان وجود رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دليلاً على يقين سيادته من أن هذه القاعدة العسكرية تتسق مع عقيدة مصر، الراسخة، في الدفاع وليس العدوان، فهدفها الأساسي هو تأمين الاتجاه الاستراتيجي الشمالي والغربي لمصر، فضلاً عما توفره من تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، وصولاً إلى تنفيذ الانتخابات القادمة في ديسمبر القادم.
أما الشعب المصري العظيم، فقد تلقى، بوعي، الرسالة الموجهة له من هذه المناورة، واطمأن، مجدداً، لإمكانات قواته المسلحة الجبارة، وقدرتها على حماية الأمن القومي المصري ضد أي أخطار داخلية أو خارجية، واقتدارها على صون ثرواته سواء في حقول الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، أو بتأمين خطوط الملاحة في البحر الأحمر، لتأمين قناة السويس.
وقبل أن اختتم مقالي، وجدت أنه من الضروري التنويه للفتة الكريمة من الشيخ محمد بن زايد، باصطحاب حفيده الصغير لذلك الحدث، ليطلعه على عظمة مصر وقوة جيشها، وكأنه يؤكد على حفظ أبناء زايد لوصية والدهم، حكيم العرب، الشيخ زايد آل نهيان، رحمة الله عليه، عندما أوصاهم بأبناء مصر خيراً.
وهكذا تستمر مصر قوية وعظيمة عسكرياً، بجانب نهضتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية، مع رئيس همام ومقدام، آل على نفسه أن ينطلق بها، على جميع الجبهات، في وقت واحد، إلى ما تستحقه من مكانة عالية وسامية.